![]() |
| الحبّ في زمن الذكاء الاصطناعي |
في الماضي، كانت قصة الحب بسيطة وواضحة، لا تشوبها التعقيدات التي نعرفها اليوم. كانت الرسائل تُكتب بخطّ اليد، تحمل معها دفئًا وصدقًا يلامس القلب قبل أن تصل إلى صاحبها. اللقاءات كانت تُرتّب بعناء، وتختبئ خلف نظراتٍ في مقهى صغير أو على مقعدٍ في حديقة عامة، حيث يكفي الحضور ليقول ما لا تقدر عليه الكلمات. كان الوصول إلى من نحبّ صعبًا، لكن الحبّ نفسه كان واضحًا، قويًّا رغم البعد وندرة اللقاء.
ثم جاء زمن السوشيال ميديا، فاختُزل الحبّ في صورٍ منسّقة، وعباراتٍ قصيرة، وتعليقاتٍ يتناقلها الجميع. صار التعبير عن المشاعر مرهونًا بعدد الإعجابات والمشاركات، والحبّ ذاته مؤقتًا، يعيش لساعاتٍ أو دقائق ثم يذوب في زحمة المحتوى المتجدد بلا توقف.
صرنا نُحبّ بسرعة، وننسى بسرعةٍ أكبر، وصارت مشاعرنا تتحوّل إلى محتوى يُستهلك كأي منشورٍ عابر بين آلاف المنشورات. لم يعد الحبّ حدثًا استثنائيًا أو سرًّا يُخفى، بل مشهدًا عامًا مفتوحًا للجميع، يُقاس بمدى تفاعله لا بعمقه.
ومع كل هذا التحوّل الكبير، يبدو أننا على أعتاب مرحلة جديدة وغريبة من الحكاية، حيث يتهيأ الحبّ ليدخل زمن الذكاء الاصطناعي. ربّما نقترب من لحظةٍ يصبح فيها الذكاء الاصطناعي قادرًا على لعب دور الصديق... وربما، ذات يوم، دور الحبيب!
تخيّل أن بوسعك ابتكار شريك حياة افتراضي، يلبي كل ما ترغب به، لا يُجادلك، لا يُخطئ، ولا ينسى مناسبة، يسمعك في كل وقت، ويهتمّ بأدقّ تفاصيلك. لا يغيب عنك، ولا يبتعد عن هاتفه، دائم الحضور والاهتمام، وكأنما صُمم خصيصًا ليمنحك الشعور بالاكتمال. يبدو هذا الحلم مثاليًا، أليس كذلك؟ لكنه في الوقت نفسه يحمل شيئًا من القسوة، لأنّه يذكّرنا بمدى هشاشة العلاقات الإنسانية في هذا العصر.
غير أنّ السؤال الأهم: هل يمكن أن نُسمّي هذا الشعور «حبًّا» حقًّا؟ أهو ما كنا نبحث عنه طوال الوقت؟ أم أنه مجرد وهمٍ من الراحة المصطنعة؟ فربما كان جوهر الحب الحقيقي يكمن في الفوضى، في التناقض، في الصبر على العيوب قبل الاستمتاع بالمزايا، لا في الكمال الذي يُخدّر الحواسّ ويُطفئ الشغف.
لا أملك جوابًا قاطعًا، ولا أظن أن أحدًا يملكه. لكن يبدو أننا على وشك مواجهة هذا السؤال بأنفسنا عمّا قريب. سنجد أنفسنا أمام مفترق طرق: بين علاقة بشرية حقيقية، تحمل في طياتها الفرح والخيبة، الغيرة والمصالحة، وبين ارتباطٍ رقمي مثاليّ لا يخطئ، لكنه يخلو من الحياة.
في زمن الذكاء الاصطناعي، لن يتوقف الأمر عند تطوير الأدوات، بل سيمتدّ إلى إعادة تشكيل مشاعرنا وعلاقاتنا. وحين نصل إلى تلك المرحلة، سيبقى السؤال معلقًا: هل سنظل نبحث عن «الحبّ» كما عرفناه؟ أم أننا سنكتفي بنسخته المصمّمة، المريحة، الخالية من المفاجآت؟
الوقوع في حبّ الذكاء الاصطناعي
بحسب دراسة نشرها موقع "فوربس"، هناك تفسيران رئيسيان وراء إمكانية نشوء مشاعر الحب تجاه الذكاء الاصطناعي. الأول يرتبط بما يُعرف بظاهرة «تشبيه الآلة بالإنسان» أو Anthropomorphism، وهي نزعة فطرية تدفع الإنسان إلى إسقاط سماته ومشاعره ونواياه على الكيانات غير البشرية. هذه السمة النفسية تلعب دورًا مهمًا في طريقة تفاعل البشر مع التقنيات الحديثة، لا سيما مع الأنظمة الذكية التي تُحاكي السلوك الإنساني.
فعندما يتصرف الذكاء الاصطناعي بطريقة ودّية أو يستخدم لغةً تذكّرنا بالتعامل الإنساني، يميل الإنسان إلى النظر إليه ككائن يمتلك شخصية متفردة. ويزداد هذا الإحساس عندما تُظهر الآلة صفات قريبة من الطبيعة البشرية، مثل الحسّ الفكاهي، أو اللطافة، أو الاهتمام، أو حتى التعاطف. هذه السمات تُثير لدى المستخدم مشاعر القرب والارتياح، مما يسهل تكوين ارتباط عاطفي بها.
يُضاف إلى ذلك أن تصميم بيئة الذكاء الاصطناعي نفسها غالبًا ما يتضمّن عناصر تُعزّز هذا الانطباع الإنساني، مثل نبرة الصوت، وتعبيرات الوجه في الروبوتات، ولغة الجسد، وطريقة التفاعل الاجتماعي. فكل هذه الإشارات تُسهم في خلق صورةٍ أقرب إلى الإنسان، مما يجعل المستخدم يستجيب عاطفيًا ويتعامل مع الذكاء الاصطناعي كما لو كان شخصًا حقيقيًا يبادله المشاعر.
للإنضمام الى قروب الواتساب يجمع كل العرب لتكوين الصداقات إضغط أسفل هنا
ملاحظة: تقوم بعض المجموعات بتغير صورة المجموعة بعد نشرها في الموقع من قبل مالك المجموعة، لذلك نحن غير مسؤولون عن الصورة الجديدة.
